فَتَذكَّرتُ حِيْنَها مَقَالات عظيمة لعددٍ منَ أئمة أهل السُّنة والجمَاعة، يَحْسُنُ ذِكْرُها
وَالتَّذكيرُ بِها؛ لَعلَّها تَبْلُغُ بَعْضَهُم فَيَتَذكَّرُ أو يَخْشَى! فَمِنْ تِلْك الكَلِمَاتِ العَظِمية:
1/ قولُ الإمامِ الْحَسن البَصريّ رحمه الله: (( نُفُوسُكم مَطَايَاكُم، فَأصْلِحُوا مَطَايَاكُم
تُبلغكمْ إلَى ربِّكُم عزَّ وجلَّ )) (فتح الباري) للإمام ابن رجب (1 /153).
2/ قَولُ الإمام محمَّد بن إدريس الشَّافعي رحمه الله لِصاحبهِ وَتِلميذهِ الرَّبيع بن سليمان:
(( يا رَبيع لاَ تَتَكلَّم فيْمَا لاَ يَعْنِيك، فإنَّك إذَا تكلَّمتَ بالكَلِمَةِ مَلَكتْكَ ولَمْ تَمْلكها )) (مناقب
الشَّافعي) للبيهقي (2 /174) و(الأذكار) للنَّووي (ص 454) وينظر (السير)(10
/98).
وقوله رحمه الله أيضاً: (( لاَ يَكْمُلُ الرُّجلُ إلا بأربعٍ: بالدِّيانةِ والأمانَةِ وَالصِّيانةِ
وَالرَّزانَةِ )) (السير) (10 /98).
وقَوله أيضاً : (( العَاقِلُ مَنْ عَقَلَهُ عَقْلُهُ عَنْ كُلِّ مَذْمُومٍ)) (المصدر السَّابق).
3/ وقَولُ الإمام ابن القيَّم رحمه الله في (الفوائد)(ص 133-134): (( إيَّاك والكذبَ؛ فإنَّه يُفْسِدُ عليك تَصوّر المعلومات علَى ما هيَ عليه، ويُفسِدُ عليك تَصويرها وتعليمها للنَّاس.
فإنَّ الكاذبَ يُصوِّرُ المعدومَ مَوجوداً، والموجودَ مَعْدوماً، والْحَقَّ باطلاً والباطلَ حقَّاً، والخيرَ شرَّاً، والشرَّ خيراً، فَيَفْسُدُ عَليه تَصوُّرُه وعلمه، عُقوبةً لَهُ، ثم يُصوِّر ذلكَ في نفس المخَاطَبِ الْمُغترِّ به الرَّاكن إليه؛ فيُفْسِدُ عَليه تَصوُّرَه وعِلمهُ.
ونَفْسُ الكاذب مُعْرِضةٌ عَن الحقيقةِ الموجودة، نزَّاعةٌ إلى العَدم، مُؤثِرةٌ للبَاطلِ.
وإذَا فَسدت عليه قُوَّةُ تَصوُّرهِ وعِلمهِ الّتي هي مَبْدَأُ كُلِّ فِعْلٍ إراديٍّ؛ فَسدتْ عليه تِلك الأفعالُ، وَ سَرَى حُكْمُ الكَذِب إليْهَا، فصَارَ صُدُورها عنْهُ كَمَصْدَرِ الكَذِبِ عَن الِّلسانِ؛ فَلا ينتفعُ بِلسَانهِ ولا بأعْمَالهِ.
ولهذَا كَانَ الكَذِبُ أسَاسَ الفُجُور، كمَا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم (إنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهدي إلى النَّار)- قلتُ: هو حديث متفقٌ عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه-.
وَ أوَّلُ مَا يَسري الكَذبُ مِنَ النّفسِ إلَى الِّلسان فيُفْسِدهُ، ثُمَّ يَسري إلَى الْجَوارحِ فيُفْسِدُ عليها أعمالها كمَا أفسدَ على الّلسان أقوالَه، فَيَعُمُّ الكَذبُ أقوالَه وأعمالَه وأحوالَهُ، فيَسْتَحْكِمُ عليه الفَسَادُ، وَ يَترامى دَاؤهُ إلى الهلكة إنْ لَم يَتداركه اللهُ بِدواءِ الصِّدقِ يَقلَعُ المادة منْ أصْلِها.
ولهذا كانَ أصلُ أعمَالِ القُلوبِ كُلِّها الصِّدْق، وأضدادُها منَ الرّياء والعُجب والكِبْر والفَخْر والْخُيلاء والبَطَر والأَشر وَالعَجْر والكَسَل والْجُبْن والمهَانة وغيرها أصلها الكذبُ؛ فَكلُّ عملٍ صالح ظاهرٍ أو باطنٍ فمنْشَؤُه الصّدقُ، وكلُّ عَملٍ فاسدٍ ظاهرٍ أو بَاطنٍ فَمنشؤُهُ الكذبُ.
والله تَعالى يُعاقبُ الكذَّابَ بأنْ يُقْعِده وَيُثَبِّطَهُ عنْ مَصالِحه ومَنَافعهِ، ويُثيبُ الصَّادقَ بأنْ يُوفِّقه للقيامِ بِمَصالح دُنْياه وآخرته؛ فمَا اسْتُجِلبتْ مصالِحُ الدُّنيا والآخرة بِمثل الصِّدقِ، وَلا مَفَاسدُهُما ومضارُّهما بمثل الكَذب، قال تعالى {يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا اتّقوا الله وكُونوا مع الصَّادقين}، وقال تعالى {هَذا يومُ ينْفَعُ الصَّادقينَ صِدْقُهُم}، وقال {فإذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لكانَ خَيراً لَهُم} وقال {وجاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذين كَذَبُوا اللهَ وَرَسولَهُ سَيُصيبُ الَّذين كَفَرُوا مِنْهُم عَذابٌ أليمٌ} )) .
و يُنظر تعليق الحافظ الذَّهبي رحمه الله على قولِ أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه ( إيَّاكم والكذب فإن الكذب مجانبٌ للإيمان)، في (تذكرة الحفاظ)(1 /3).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق