قال سفيان بن عيينة : كان العلماء فيما مضى يكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ،ومن أصلح ما بينه و بين الله أصلح الله ما بينه و بين الناس،ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه)
إن حقاً على من طلب العلم أن يكون عليه وقار وسكينة وخشية وأن يكون متبعاً لآثار من مضى قبله......
Click to Visit Click to Visit Click to Visit Click to Visit Click to Visit

الخميس، 22 أغسطس 2013

فائدة عظيمة من مقال الشيخ البخاري البَشَائِرُ بِمَا فِي رِحْلَتِي إلَى بِلاَدِ الْجَزائِرِ






 ............ فالغُربة ثلاثة أنواع: غربة أهل الله وأهل سنة رسوله بين هذا الخلق، وهي الغربة التي مدح رسول الله أهلها وأخبرَ عن الدِّين الذي جاء به أنه بدأ غريباً وأنَّه سيعود غريباً كما بدأ وأنَّ أهله يصيرون غرباء، وهذه الغربة قد تكون في مكانٍ دون مكانٍ ووقتٍ دون وقتٍ وبين قومٍ دون قوم، ولكن أهل هذه الغُربة هم أهل الله حقاً فإنَّهم لم يأووا إلى غير الله ولم ينتسبوا إلى غير رسوله ولم يَدْعُوا إلى غير ما جاء به…ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: التَّمسُّك بالسُّنَّةِ إذا رغبَ عنْها النَّاس وتَرك ما أحدثوه وإنْ كانَ هو المعروف عنْدهم.


وتَجريد التَّوحيد وإن أنكر ذلك أكثر النَّاس.... وهؤلاء هم القَابِضونَ عَلى الجمر حقَّاً، وأكثر النَّاس بل كُلّهم لائمٌ لهم؛ فلغربتهم بين هذا الخلق يَعُدُّونهم أهل شُذوذ وبدعة ومُفَارقةٍ للسَّواد الأعظم … بل الإسلام الْحقّ الَّذي كان عليه رسول الله وأصحابه هو اليوم أشدّ غُربة منه في أوّل ظهوره وإنْ كانت أعلامه ورسومه الظَّاهرة مشهورة معروفة، فالإسلام الحقيقيّ غَريبٌ جدِّاً، وأهله غرباء أشد الغربة بين النَّاس.

وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدّاً غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة، ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات، ولا يقومُ لها سوق إلا بمخالفةِ ما جاء به الرَّسول؛ فإنَّ نفس ما جاء به يُضاد أهواءهم ولذَّاتهم وما هم عليه من الشُّبُهات والبِدعِ الَّتي هي مُنْتَهى فضيلتهم وعملهم، والشَّهوات الَّتي هي غايات مقَاصدهم و إراداتهم، فكيفَ لا يكون المؤمن السَّائر إلى الله على طريقِ المتابعة غريباً بين هؤلاء الَّذين قد اتَّبعوا أهواءهم وأطاعوا شُحَّهم …

فإذَا أراد المؤمن الَّذي قد رزقه الله بصيرة في دينه وفقهاً في سُنَّةِ رسوله وفهماً في كتابه وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضَّلالات وتَنَكُّبهم عن الصِّراطِ المستقيم الَّذي كان عليه رسول الله وأصحابه، فإذَا أرادَ أنْ يَسْلُكَ هَذا الصِّراط فليُوطِّن نفسه على:

قَدحِ الجُهَّالِ وأهلِ البدعِ فيهِ، وطعْنهم عليه، وإزْرَائهم به، وتَنفير النَّاس عنه، وتَحذيرهم منه كما كانَ سَلفهم من الكفَّار يفعلون مع مَتبوعهِ وَ إِمامهِ، فأمَّا إنْ دعاهم إلى ذلك وقَدَحَ فيما هم عليه فُهَنالك تَقُومُ قيامتهم ويبغونَ لَه الغوائل ويَنْصِبون له الْحَبائل ويَجْلِبُون عَليه بَخَيْلِ كَبيرهم وَرَجْلهِ.

فَهو غريبٌ في دينهِ لفسادِ أديانهم، غَريبٌ في تمسُّكهِ بالسُّنَّةِ لتَمَسُّكِهم بالبدع، غريبٌ في اعتقادهِ لفسادِ عقائِدِهم، غريبٌ في صَلاتهِ لسُوءِ صلاتهم، غريبٌ في طريقه لضلالِ وفسادِ طرقهم، غريبٌ في نسبتهِ لمخالفةِ نِسَبِهِم، غريبٌ في معاشرتهِ لهم لأنَّه يُعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم، وبالجملة: فهو غريبٌ في أمورِ دنياه وآخرته، لا يَجِدُ مِنَ العامَّةِ مسَاعِدَاً ولا معيناً، فهو عالمٌ بين جُهَّالٍ، صاحبُ سُنَّةٍ بين أهلِ بدعٍ، داعٍ إلى الله ورسولهِ بين دعاةٍ إلى الأهواءِ والبدعِ، آمرٌ بالمعروفِ ناهٍ عن المنكر بين قومٍ المعروف لديهم منكر والمنكر معروف)). وَ هَذا المسلكُ الَّذي أشار إليه الإمام ابن القيِّم مِنَ التَّنْفيرِ مِنْ عُلَماءِ أهلِ السُّنَّةِ المحضةِ هُو مَسْلَك أهل البِدَعِ قديْماً وحديثاً! وَ تَأمل- أيُّها المحب- هَذا النَّقل عَنِ العَلامة الشَّاطبي رحمه الله واصِفاً بعض طَرائق أهل الأهواء والَّتي منْهَا تقبيح فتاوى العلماء لدى العامة تنفيراً عن السُّنَّة وَأهلها! حيثُ قالَ في كتابهِ (الاعتصام) (2 /52-ط التوحيد): ((وربَّما ردُّوا فَتَاويهم وقبَّحوها في أسْمَاع العامَّةِ؛ ليُنفِّروا الأمَّةَ عن اتِّباعِ السُّنَّةِ وأهلها)).

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أنَّ الصِّراعَ بَين الْحَقِّ والباطل قَديِمٌ، ومِنْ ذَلكَ بَيان السُّنَّة وَرَدّ البِدَع، وقَد شبَّه شيخُ الإسلام ابن تيميَّة غفر الله لَه هَذا الصِّراعَ بِقَولهِ: (( و أهلُ السُّنَّة إذَا تَقَابلوا هُمْ وَ أهْل البِدَعِ، فَلَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ تَقَابِل الْمُؤْمنينَ وَالكُفَّارِ..)) ( الرد على البكري) (2 /693).

لكنَّ الذي يَجِبُ أنْ يَسْتَقرَّ لَدى أهْلِ الْحَقِّ: أنَّ الغلبَةَ هي لِلْحَقِّ وأهلهِ، و أنَّ مَا يَجري هُو تَمْحِيصٌ لهم، أَيصبرونَ؟ قال تعالى {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} و قال سُبحانه {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.



ليست هناك تعليقات: