قال سفيان بن عيينة : كان العلماء فيما مضى يكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ،ومن أصلح ما بينه و بين الله أصلح الله ما بينه و بين الناس،ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه)
إن حقاً على من طلب العلم أن يكون عليه وقار وسكينة وخشية وأن يكون متبعاً لآثار من مضى قبله......
Click to Visit Click to Visit Click to Visit Click to Visit Click to Visit

الخميس، 17 مارس 2016

سب الحكام والأمراء منهج الخوارج

سب الحكام والأمراء منهج الخوارج
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كثيراً من الناس والحمد لله يبغضون الخوارج ويعتقدون فيهم ما جاء في الأحاديث ومنها أنهم شرار الخلق والخليقة وأنهم كلاب النار. ولكنهم قد يشابهون الخوارج في بعض الأمور من حيث لا يشعرون، ومن ذلك إطلاق ألسنتهم في ولاة الأمور بسبب ما يرون منهم من الظلم والجور والأثرة وربما بسبب ما يرون منهم من انحراف في أخلاقهم وسلوكهم ، وربما بسبب ما يقال عنهم ويشاع ولا حقيقة له  من المعايب والمساوئ ولكن تلك الأخبار صادفت هوى في نفوسهم.
فسب الأمراء والطعن فيهم _ ولو بما فيهم_ ليس منهجاً مأثوراً عن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وإنما هو منهج موروث عن الخوارج لأنهم يدينون بالخروج المسلح على الحكام، والخروجُ المسلح لا بد أن يسبقه كلام من سب وتحريض وتحريش كما قال الشاعر (فإن النار بالعودين تذكى.. وإن الحرب أولها كلام).
والأدلة على أن طريقة السلف الصالح _المبنية على الكتاب والسنة_ هي رفض سب الأمراء والولاة كثيرة ولكني أقتصر منها على النصوص التالية:
عن زياد بن كسيب العدوي قال كنت مع أبي بكرة رضي الله تعالى عنه  تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق فقال أبو بلال _ وهو رجل من الخوارج_ انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق فقال أبو بكرة: اسكت سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول: (من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله قال: ” لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله، واصبروا فإن الأمر قريب[1]. وقال أحمد[2] وابن المديني[3] (ليس لأحد أن يطعن عليهم) أي ولاة الأمور.
وهذه النصوص لا تخص الصالحين من ولاة الأمور فقط بل تشملهم جميعاً أبراراً وفجاراً وعادلين وظلمة فهذا ابن عباس يسمع من يلعن الحجاج لتحريقه الكعبة فيقول له (لا تكن عوناً للشيطان)[4] .
وذلك أن من الحِكَم العظيمة في النهي عن سبهم الحرص على اجتماع الكلمة وعدم التفرق والاختلاف، فإن الاجتماع على الحاكم وإن كان ظالماً جائراً خير من بقاء الناس بلا إمام يأكل بعضهم بعضاً ويفني بعضهم بعضا.
إن إطلاق اللسان في الدولة أمام الأبناء والأهل والأقارب والزملاء والتلاميذ  _ فضلاً عن  النشر العام في وسائل التواصل _ كل ذلك يولد من الشرور ما لعلّ بعضه لا يخطر على البال ولنا فيمن سبقنا عظة وعبرة فهذا عبد الله بن عكيم _ وهو ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم _  ندم على كلامه في عثمان رضي الله عنه وما كان يظن أن كلامه سيكون عوناً ومساهمة _ غير مقصودة_ في قتله رضي الله عنه[5].
ويؤكد هذا المعنى العلامة الكبير الشيخ ابن عثيمن رحمه الله فيقول : “سب ولي الأمر والتشهير به، فهذا ليس من الصدع بالحق؛ بل هذا من الفساد، هذا مما يوجب إيغار الصدور وكراهة ولاة الأمور والتمرد عليهم، وربما يفضي إلى ما هو أكبر إلى الخروج عليهم ونبذ بيعتهم والعياذ بالله”[6] اهـ .
وقال أيضاً رحمه الله :  “إن الذي يهين السلطان بنشر معايبه بين الناس وذمه والتشنيع عليه والتشهير به يكون عرضة لأن يهينه الله عزّ وجلّ؛ لأنه إذا أهان السلطان بمثل هذه الأمور؛ تمرد الناس عليه فعصوه، وحينئذٍ يكون هذا سبب شر فيهينه الله عزّ وجلّ”[7] اهـ .
فأوصي نفسي ومن تصله هذه الكلمة بكف الألسن عن ولاة الأمور سباً وطعناً ، والحرص على الدعاء لهم بالصلاح والهداية والعافية وحسن البطانة، ومناصحتهم قدر الإمكان مشافهة أو مكاتبة أو تبليغ النصيحة لمن يوصلها إليهم على وجه السر توخياً للطرق الشرعية في المناصحة والإصلاح.
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
د. علي بن يحيى الحدادي.
             13/1/1437هـ
[1] – السنة لابن أبي عاصم (2/448)
[2] – أصول السنة له رحمه الله.
[3]– شرح أصول السنة للالكائي (1/168)
[4] – التاريخ الكبير للبخاري 8/104
[5] – انظر طبقات ابن سعد 6/115
[6] – شرح رياض الصالحين (3/ 668)
[7] – شرح رياض الصالحين (3/ 673)

ليست هناك تعليقات: